حائط البراق: الأثر والتاريخ.. والقضية!
الأربعاء 24 تشرين الأول 2007، 08:45 PM
المصدر: أحمد أبو زيد- مجلة الكويت- العدد 282
تؤكّد الاعتداءات الصهيونية الجديدة التي بدأت في أوائل فبراير 2007 على المسجد الأقصى وعلى باب المغاربة المؤدّي إلى حائط البراق، أنّ "إسرائيل" قد عزمت على إحكام سيطرتها على حائط البراق والمضيّ في مخططها لهدم المسجد الأقصى عن طريق الحفريات والأنفاق التي تمت وتتم تحت جدرانه، إلى جانب هدم ما حوله من أسوار وحوائط. فقد بدأت سلطات الاحتلال بتنفيذ قرارها بهدم تلة المغاربة الملاصقة للمسجد الأقصى، والاعتداء على الممتلكات الإسلامية، وقامت بالفعل بهدم سور خشبي وغرفتيْن قرب حائط البراق، في إطار مخطط "إسرائيلي" لطمس معالم المسجد الأقصى.
حائط البراق الذي يطلق عليه اليهود اليوم (حائط المبكى) يعتبر فصلاً دامياً من فصول الصراع العربي الصهيوني فهو وقف إسلامي أصيل تعود ملكيته إلى المسلمين دون غيرهم وقد ارتبط اسمه بحادث الإسراء والمعراج، حيث كان هذا الحائط مربطاً للبراق الذي حمل الرسول صلى الله عليه وسلم، ليلة الإسراء ولذلك سمى بحائط البراق وهو الجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك ويبلغ سمكه متراً واحداً وطوله 140 متراً.
وقد اعترف خبير "إسرائيلي" في شؤون الأماكن المقدسة في القدس وهو المحامي (شموئيل بركوفيتس) بملكية المسلمين لهذا الحائط، وقال في بحثٍ نشره (معهد القدس الخاص للدراسات الإسرائيلية) في نوفمبر 1997م: "إنّ الجدار تملكه قانوناً دائرة الأوقاف الإسلامية التي ترعى المزارات المحيطة بالحائط في القدس القديمة، وقد نزعت إسرائيل ملكية الحي اليهودي في المدينة القديمة بعد الاستيلاء على القدس الشرقية في حرب 1967 ووسعت المنطقة المحيطة بالحائط".
صراع قديم
والصراع بين المسلمين واليهود على هذا الحائط، الذي يعتبره اليهود بقيةٌ من (جدار الهيكل) القديم ويمارسون أمامه طقوسهم التعبدية، يعود إلى قرونٍ مضتْ، فعندما حرّر المسلمون القدس فتْحاً لا حرباً في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصّتْ (العهدة العمرية) التي كتبها عمر لأهل القدس على ألا يسكنها أحدٌ من اليهود وذلك تنفيذاً لرغبة البطريرك (صفرنيوس) الذي طلب ذلك من عمر عندما سلّمه مفاتيح المدينة المقدسة، ومع مرور الأيام ونتيجة للتسامح الإسلامي لم يتشدّدْ الحكام المسلمون في منع اليهود من زيارة القدس والسكن فيها، بل سمحوا لأعدادٍ قليلة بالدخول والتسرّب إلى القدس، وخلال (الحرب الصليبية) عندما دخل الصليبيون القدس حشروا اليهود، وعددهم كان قليلاً، في الكنيسة وحرقوها على رؤوسهم وطردوا من تبقّى منهم خارج القدس.
وعندما خلّص صلاح الدين القدس من أيدي الصليبيين عاد وسمح لليهود بدخولها والسكن فيها ليظهر التسامح الإسلامي في أبلغ صوره، وقد كانت مدينة القدس بعد الفتح الإسلامي موئلاً لقرار وحفاظ القرآن ورواة الحديث مما شجّع الولاة والأعيان أنْ يخصّصوا أوقافاً للصرف على هؤلاء القراء والحفاظ والعباد.
وممن استفادوا من هذه الأوقاف طائفة من (المغاربة) أقاموا بجوار الجانب الغربي من الحرم الشريف، فأوقف لهم الملك الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي وقفاً عرف (بوقف أو حي أو حارة المغاربة) على الجانب الغربي من المسجد الأقصى تتوسطه مدرسة الملك الأفضل.
وحدّدت الوقفية الحدود الآتية للوقف:
- الحدّ القبلي: سور مدينة القدس.
- الحد الشرقي: حائط الحرم الشريف (حائط البراق).
- الحد الشمالي: قنطرة أم البنات.
- الحد الغربي: دار الإمام قاضي القدس ثم دار الأمير عمار بن موسكي ثم دار الأمير حسام الدين قايماز، والدور الثلاث أصبحت تُعرَف مجتمعة بحي الشرف أو (حي الأشراف) وهذه المساحة بهذه الحدود هي حي المغاربة بالقدس، وقد حدّدت الوقفية بأنْ تخصص مساكن هذه الحارة لملغاربة وأن يكون ناظر الوقف مغربياً.
رعايا عثمانيون
وعندما تحسّن حال بعض المغاربة مادياً كانوا هم أيضاً يوقفون وقفيات للصرف على المغاربة أو ينشئون زوايا للعباده، أشهرها زاوية بن مدين التي أوقف عليها إيراد قرية (عين كارم) من قرى القدس.
وكان كلّ مغربي يتمتّع بسكنى مجانية في هذا الوقف ورغيفين من الخبز يومياً وإطعامية من اللحوم كاملة في العيدين وكسوة كاملة كل عام.
وفيما بعد أطلق اسم أبي مدين على كل الوقفية التي أوقفها الملك الأفضل بن صلاح الدين بالحدود نفسها التي أوردناها والتي أهمّها أنّ الجدار الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق) يشكّل الحدّ الشرقي للوقف وهذا الحدّ والنصّ عليه واضح وقاطع وحاسم في كل الوقفيات.
وفي عهد سلاطين المماليك وبني عثمان سمح لليهود المطرودين من أسبانيا بالدخول إلى القدس، وأقام اليهود الأسبان في حيٍّ بين حيّ الأرض وحي الأشراف الذي يجاور حي المغاربة، وخلال الحكم المصري في بلاد الشام (1822-1840) صار اليهود (السفاراديم) الذين لجؤوا إلى الممالك العثمانية رعايا عثمانيين وشكّلوا غالبية اليهود في القدس، وحوّلوا الكنيس الوحيد الذي أقيم فيها، بسماح وحماية السلطات الإسلامية، إلى أربعة كنس يظلّها سقف واحد، واعترفت السلطات العثمانية بحاخامهم ليكون ناطقاً باسمهم في حين شكّل اليهود (الإشكنازيم) الذين قدِموا من بروسيا والنمسا وبولندا وروسيا أقلية صغيرة يحتفظ أفرادها بجنسياتهم ويتمتّعون بالامتيازات الأجنبية لدولهم وخاصةً بعد افتتاح أول قنصلية بريطانية في القدس التي كان من مهامها (تقديم الحماية لليهود).
وبدأ اليهود يذهبون إلى حي المغاربة، ويقفون أمام الحد الشرقي للحي وهو الجدار الغربي للمسجد، ثم اختاروا خمسة مداميك (حجارة) من أسفل الجدار، وزعموا أنّها من حجارة الهيكل وبقيّة جداره، وكلّ الذي أظهروه هو الضعف ومجرّد البكاء أمام هذه الأحجار الخمسة، ثم تكرّر الحضور والوقوف أمام هذا الجدار حتى أصبح حضوراً دائماً ليلاً ونهاراً وأصبح هناك رصيف يقفون عليه عرضه 4 أمتار وطوله 30 متراً.
محاولات تبليط الرصيف:
وفي العام 1839 قام اليهود بمحاولةٍ أكثر طموحاً للحصول على (حقّ مكتسب) في حائط المبكى -كما يسمّونه- وذلك حين طلب القنصل البريطاني في القدس السماح لمحمية اليهود بتبليط الرصيف الكائن أمام الحائط، وكان قد أنشئ لمرور سكان محلة المغاربة وغيرهم من المسلمين في ذهابهم إلى (مسجد قبة الصخرة) ومن ثم إلى الحرم الشريف.
وبما أنّه ليس لليهود حقوق في ذلك المكان، وأنّ مرورهم إلى الحائط في أيامٍ معلومة ليس إلا من قبيل التسامح الذي أبداه نحوهم المسلمون فلا يستطيع اليهود أنْ يستعملوا هذا التسامح كوسيلة لتقديم مطالب بحقوق مطلقة.
وهذا الطلب لم يُقَدّم عن طريق رئيس الحاخامين اليهود المعترف بهم رسمياً وإنما كان تدخّلاً من بريطانيا. وقد عرض على المجلس الاستشاري الذي أنشأه محمد علي باشا فسمع شهادة ناظر الوقف وغيره ورفض الطلب، وأرسلت أوراق القضية إلى محمد علي فأرسلها إلى ابنه إبراهيم باشا في الشام لتنفيذ الرفض.
وردّ إبراهيم باشا على طلب اليهود بإصدار مرسومٍ يقضي بمنعهم من تبليط حائط البراق مع إعطائهم حق الزيارة على الوجه القديم.
وتضمّنت حيثيات الرفض أنّ المحلّ المطلوب تبليطه ملاصق للحرم الشريف وهو الطريق إلى محلّ ربط البراق وكلّها داخل (وقفية أبو مدين) وغير جائز شرعاً التغيير في نص الوقفية، وغير جائز تصديق أنّ اليهود يعمرون وقفية إسلامية.
وتزامن صدور مرسوم الرفض مع احتجاجٍ شديد عبّر عنه شيخ حارة المغاربة حيث كتب في احتجاجه أنّ حارة المغاربة مجاورة لحائط الحرم الشريف الذي نزل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ومرّ به ثم ربط براقه في الحائط نفسه ليلة أُسْرِي به إلى القدس.
وذكر شيخ المغاربة بأنّ اليهود قد يسمح لهم بزيارة الرصيف الكائن أمام الحائط ما داموا يتصرّفون باحتشام ودون رفع الأصوات. وقال: (إنّ اليهود في السنوات الأخيرة كانوا يأتون بأعدادٍ كبيرة ويسبّبون الضيق برفع صوتهم كما لو كان المكان كنيساً، والآن هم يريدون تبليط الأرض وذلك خطوة نحو تحقيق أهدافهم النهائية) وهذه الفقرة الأخيرة تعكس النظر الثاقب لشيخ المغاربة في ذلك الوقت المبكر حيث أدرك بحصافته البعد الاحتلالي الحقيقيّ الذي يكمن رواء مساعي اليهود الحثيثة لإثبات حقٍّ لهم في الحائط الغربي تمهيداً للاستيلاء تدريجياً على الأماكن المقدسة الإسلامية وطرد العرب من القدس وفلسطين.
واستمرّ اليهود في ذهابهم إلى حائط البراق والبكاء عنده، وبعد البكاء جاءت خطوة الصياح بالمقالات بعد أنْ كان المسموح لهم هو الزيارة فقط.
وفي العام 1911 حاولوا إحضار كراسي على الرصيف حتى يجلسوا عليها أثناء البكاء والصياح، وحاولوا إقامة ستارٍ بين كراسي الرجال وكراسي النساء، وتكرّر إحضار الكراسي أياماً، فرفع ناظر وقف المغاربة شكوى إلى محافظ القدس في ذلك الوقت يطالب بإيقاف جلب الكراسي، وإلا سيدّعي اليهود ملكية الرصيف ومربط البراق، فأبطل المحافظ هذه البدعة.
وانتهى العهد العثماني بوثيقتيْن مهمتيْن تتعلّقان بحائط البراق الأولى العام 1840 والثانية العام 1911 وكلتاهما تنصّ على أنّ الرصيف والحائط وقف إسلامي خالص، وأنّ ما أسماه اليهود حارة المبكى وحائط المبكى هو حارة البراق وحائط البراق.
وعد بلفور وحائط البراق
وبعد صدور وعد بلفور أغرى الصهاينة الشعب اليهودي بأنهم سيمتلكون حائط البراق، وذهب حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية بعد خمسة أشهر فقط من وعد بلفور إلى فلسطين وكتب من هناك إلى وزير خارجية بريطانيا يطلب تسليم الحائط لليهود وإجلاء المغاربة نظير تعويضٍ مالي.
وفي الوقت نفسه كتب طلباً إلى مفتي القدس عن طريق الحاكم العسكري البريطاني يطلب شراء أرض الوقف المغربي هذا، كما أرسل يهودياً مغربياً إلى ناظر الوقف المغربي يحاول إغراءه بالمال، وكان ردّ المفتي وناظر الوقف بسيطاً ومنطقياً: (الأرض وقف والوقف لا يباع) ثم أضاف أنّ هذا الوقف بالذات له مكانة عند المسلمين تجعل هذا الطلب مستحيلاً.
واستمرّ الصراع على الحائط بين المسلمين واليهود حتى صيف 1929، حين حاول مسلّحون يهود تغيير الوضع الراهن فيما يتعلّق بالحائط، فكانت (ثورة البراق) التي استفزّتْ المسلمين ونبّهتهم إلى الخطط الصهيونية المبيتة، واشتعلت الاضطرابات الدموية ووقعت صدامات في القدس وسائر أنحاء فلسطين انحازت فيها قوى الأمن والجيش البريطاني إلى جانب اليهود.
لجنة دولية
أرسلت بريطانيا لجنة (شو) للتحقيق في الاضطرابات فأوصت بإرسال لجنة دولية للتدقيق في حقوق المسلمين واليهود في حائط البراق، فأقرّ (مجلس عصبة الأمم) تشكيل لجنةٍ من ثلاثة أعضاء برئاسة وزير خارجية السويد حينذاك (إليك لوفغرن) وعضوية (شارلس بارد) رئيس محكمة العدل في جنيف و(س فان كمين) عضو البرلمان الهولندي.
واستمعت اللجنة إلى شهود من العرب واليهود بفلسطين وطلبت من الطرفين إبراز البيانات الوثائقية التي في حوزتهم والتي تدعم وجهة نظرهم. وبعد شهرٍ عقدت فيه اللجنة 23 جلسة اتّبعت فيها الأصول القضائية في بريطانيا وتوصّلت اللجنة إلى توصيتيْن شكّلتا وثيقة دولية في غاية الخطورة:
التوصية الأولى: (للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحقّ العينيّ فيه لكونه يؤلّف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف).
وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفاً طبقاً لأحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير (وأنّ أدوات العبادة وغيرها من الأدوات التي يحقّ لليهود وضعها بالقرب من الحائط، إما بالاستناد إلى أحكام هذا القرار أو بالاتفاق يبن الفريقين، لا يجوز في حالٍ من الأحوال أنْ تعتبر أو أنْ يكون من شأنها إنشاء حقّ عينيّ لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له).
التوصية الثانية: (لليهود حرية المرور إلى الحائط الغربي لإقامة التضرّعات في جميع الأوقات مع مراعاة الشروط الصريحة المشار إليها) وتتضمّن الشروط أدوات العبادة التي يسمح باستخدامها في مناسبتيْن فقط، وفي الأحوال العادية لا يجوز جلب أية أدوات إلى جوار الحائط).
وقد صادقت الحكومة البريطانية على الأحكام والتوصيات التي أصدرتها اللجنة، كما وافقت عليها عصبة الأمم، وصدرت في شكل قانونٍ نشرته الجريدة الرسمية للحكومة المنتدبة في يونيو 1931.
ونستنتج مما تقدم أنّ اللجنة انطلقت في حكمها من أنّ حائط البراق أثرٌ إسلامي بما فيه الرصيف المقابل والمنطقة الملاصقة له داخل المدينة القديمة، وأنّه ملك عربي ووقف إسلامي أبديّ وأنه ليس لليهود إلا مجرّد زيارته، بل إنّ هذا المرور مصدره التسامح العربي الإسلامي، ولا ينطوي على أيّ نوعٍ من أنواع الملكية لليهود، وتحكمه حدود العرف والتقاليد بحيث لا يمارس إلا بشروط معينة يقبلها العرب والمسلمون.
اليهود يهدمون حي المغاربة:
واستمرّ الوضع على ما هو عليه بالنسبة لحائط البراق حتى انتهى الانتداب البريطاني على فلسطين، وأعلن عن قيام دولة "إسرائيل" في مايو 1948 واستولى الصهاينة على القدس الغربية وظلت القدس القديمة (الشرقية) بما فيها من مقدسات تحت سيطرة المسلمين الذين كانوا يسمحون لليهود بالوصول إلى حائط البراق كعهدهم من قبل، ولكن في حرب يونيو 1967 احتلّ جيش "إسرائيل" مدينة القدس القديمة وفيها الحرم الشريف وكنيسة القيامة.
وفي الأيام الأربعة التالية ذهب وزير الحرب (موشيه دايان) معه رئيس بلدية القسم اليهوديّ للقدس على حي المغاربة فأمرا بإخراج كلّ المغاربة وعددهم 650 مسلماً من بيوتهم بعد إنذارٍ دام ساعتيْن فقط، وهدموا جميع مباني الحي ومنها مسجدان وزاويتان، هدموها جميعاً بالديناميت، وأزالوا كلّ أثرٍ عربي ومحوا كلّ ما أقامه الملك الأفضل ابن صلاح الدين قبل 700 سنة، ثم نقلوا كلّ ركام الهدم والنسف في سيارات الجيش خلال يوميْ 11 و12 يونيو، ولم يكنْ لهذا الردم أيّ سببٍ حربيّ فقد انتهت المقاومة يوم 7 يونيو، إلا أنّ اليهود استمرّوا في التدمير داخل أسوار المدينة المقدسة، واغتصبوا أرض الوقف الإسلامي التي حاولوا شراءَها مدة نصف قرن، ثم أتبعوا الاغتصاب بهدم كل ما على الأرض من مباني المغاربة.
وأصبحت هناك مساحة واسعة من الجدار الغربي للحرم حتى باب المغاربة جنوباً وباب السلسلة شمالاً واستعلموا هذه المساحة للصلاة.
وفي 27 يونيو 1967 ضمّ اليهود كلّ المدينة المقدسة إلى "إسرائيل" وألغوا البلدية العربية وأرهبوا السكان للخروج وسلبوا بيوتهم وأراضيهم وأعطيت لمهاجرين يهود.
وفي 18 أبريل 1968 نشرت الجريدة الرسمية "الإسرائيلية" أمراً باستملاك جميع الأراضي ومساحتها 29 فداناً ما بين الحائط الغربي للحرم الشريف شرقاً وحي الأرمن غرباً.
وتم تنفيذ هذا الأمر فوراً دون إعطاء إنذار، مما أدّى إلى إخراج ستة آلاف عربي من بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم. وفي 1969 صادرت "إسرائيل" قطعتيْن من الأرض ملاصقتين للحرم الشريف من جهة حائط البراق كان على إحداهما مقرّ مفتي الشافعية وعائلة أبي السعود وهم خدم الحرم الشريف على مدى قرنيْن من الزمان ثم هدمت بيوتهم. وكان على القطعة الأخرى بناء المحكمة الشرعية الذي شيده العثمانيّون العام 1328 ثم جعل في عهد الإنجليز منزلاً لرئيس المجلس الإسلامي الأعلى.
وبهذا تكون "إسرائيل" قد اغتصبت حائط البراق وأعلنت ملكية اليهود له بالقوة بعد أنْ وقف لهم الحكام والولاة السلمون بالمرصاد عبر قرنيْن من الزمان وحالوا دون امتلاكهم لهذا الوقف الإسلامي.
طقوس يهودية:
أمّا ما يمارسه اليهود من طقوس دينية أمام حائط البراق فقد وصفه الكاتب المصري صلاح منتصر في كتابه (إسرائيل بعيون صحافي مصري) فقال: (عند الخروج من باب المغاربة مررنا بحائط المبكى أو (كوتل ما عرفي) بالعبرية وكان هناك بعض اليهود الأرثوذكس المميّزين ببدلاتهم السوداء التي لا يخلعونها وقبعاتهم وضفائر الشعر المدلاة على أذانهم، وكان هناك عددٌ آخر من اليهود العاديّين بعضهم واقفٌ وآخرون يجلسون على كراسي صغيرة وقد ارتدوا جميعاً (الكبة) التي يشبكونها وفوق رؤوسهم، وبعض اليهود يضعون هذه الكبة بصورة دائمة وبعضهم يضعها في المناسبات الدينية التي لا يجوز فيها لليهودي أنْ يكون أمام ربه بدون غطاء رأس. ووسط الساحة الموجودة أمام الحائط كان هناك فاصل خصص الجانب الأيمن للنساء والأيسر للرجال، بما يمنع اختلاط الجنسين، وكان معظم الواقفين أمام حائط المبكى يمسكون في أيديهم كتباً صغيرة، كان واضحاً أنها دينية وربما التوراة، وكان يقرؤون فيها بطريقة طلبة المعاهد الدينية عندما يستذكرون فيهزّون نصفهم العلوي أماماً وخلفاً.
وكان هناك آخرون يقومون بدسّ أوراقٍ صغيرة جداً في الفراغات الموجودة بين الأحجار الكبيرة المبني بها الحائط ولم أعرفْ إلا فيما بعد أنّ هذه الأوراق تضمّ أمنيات أصحابها ويتمّ دسها في الفراغات الموجودة في الحائط لتذهب إلى الربّ فيقرؤها ويستجيب لأمانيهم فكان هذا الحائط قد تحوّل إلى صندوق بريدٍ يضع فيه اليهود رسائلهم إلى الرب وعلى أساس استغلال اليهود لكلّ شيء بما في ذلك تعبئة هواء القدس في زجاجات وبيعه ليهود العالم، كذلك ظهرت تجارة لتوصيل أمنيات اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل إلى الربّ من خلال صندوق بريد حائط المبكى!.
وقد أصبح سهلاً على أيّ يهوديّ في العالم أنْ يبعث رسالته إلى الربّ من خلال الفاكس إلى أحد المكاتب المتخصّصة في القدس، وهذا بدوره يقوم نظير رسمٍ معين بوضع هذه الرسالة في صندوق بريد الربّ في الفجوات التي يتمّ دسّ هذه الأوراق فيها في حائط المبكى وتركها تتحلّل وتسقط مع الزمن.